الحمد لله رب العالمين والصلاة
والسلام على رسوله الكريم ونبيه الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد!
والسلام على رسوله الكريم ونبيه الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد!
الدعوة إلى الله ذات أهمية عظيمة، ومكانة كبيرة في الدين الإسلامي؛ فهي من أفضل الأعمال، وأقرب القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، حيث قال الله عزّ وجلّ: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ)، والدعوة إلى الله مهمة جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ثم أصبحت مهمة أصحابهم وأتباعهم من بعدهم، فهؤلاء هم خير عباد الله؛ فهم يهتمون بالدعوة إلى الله أشدّ الاهتمام، ويحرصون على أن يخرجوا الناس من الظلمات إلى النور أشد الحرص، فهؤلاء لهم فضل عظيم عند الله سبحانه وتعالى. والدعوة تعد أمرا مهما لتنبيه الغافل عن الطريق، وتعليم الجاهل، وهداية الناس إلى الصراط المستقيم.
تعريف الداعية:
الداعية في اللغة اسم، ويجمع على دعاة، ودواعٍ، والداعية هو الشخص الذي يدعو ويرشد ويعلم إلى دينٍ أو فكرةٍ. أما الداعية في الاصطلاح فهو الإنسان المكلّف شرعاً بتبليغ دعوة الله تعالى، وهو الذي يحمل أمانة تبليغ الدعوة إلى الناس، وينشر الدين الإسلامي في كل مكان، والداعية هو الشخص القائم بأمور الدعوة إلى الله تعالى، والذي مدحه الله عزّ وجل بقوله: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
أيها القاري الكريم ! أود ألا أطيل الكلام في الأمر الخارج عن الموضوع بل أريد أن أتكلم بالموضوع الأساسي فحينما نطالع الكتاب والسنة فنجد أن هناك كثيرا من الصفات التي ينبغي لداعية إلى الله أن يتصف بها خلال دعوته، فأذكر أمامكم بعضا منها.
الصفة الأولى للداعية : الإخلاص والتقوى.
إن دعوة الإسلام تشترط على أصحابها، أن يكونوا أتقياء في أنفسهم، صادقين في دعوتهم، مخلصين في نياتهم،كي يحققوا نجاحهم في دعوتهم، وينالوا أجرهم عند ربهم.
وهذا شرط في كل عمل من أعمال الإسلام، ومن أجلّها الدعوة إلى الله تعالى.
قال تعالى: {أَلاَ لِلّهِ الدّينُ الْخَالِصُ} (الزمر/ 3)
وكلما كان الإخلاص أصدق، والإيمان أقوى، كان التوفيق أعظم، والأجر أكبر.
وأما التقوى فهي لازمة للداعية، لزوم الماء للشجر، والروح للجسد، وهي العمل بدين الله ظاهراً وباطناً، وبخاصة فيما يدعو إليه، وإنّ امرءاً لا يعمل بما يدعو إليه، حري أن لا يوفقه الله عز وجل إلى ذلك، ولا يقبل منه عمله.
قال تعالى: {إِنّمَا يَتَقَبّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتّقِينَ} (المائدة/ 27)
وبالتقوى، يحصل توفيق عظيم، وسداد للأقوال، وإصلاح للأعمال.
قال تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (الأحزاب/ 70- 71)
وبالتقوى يعين الله الداعية، ويهبه ملكة التفريق بين الحق والباطل.. والخلاص من المواقف المحرجة.. فضلاً عن تكفير سيئاته، ومحو زلاته.
قال تعالى: {يِا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إَن تَتّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (الأنفال/ 29)
الثانية : العلم والفقه بما يدعو إليه.
إن من أعظم ضروريات الدعوة إلى الله تعالى أن يكون الداعية عالماً و مدركاً لما يدعو إليه بعامة ، فقيهاً فيه بخاصة.
قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَىَ اللّهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف: 108)
والبصيرة أخص من العلم العام، وفيها معنى زائد عليه، فهي تعني: البينة والإدراك، و الوضوح، والفهم، واليقين.
ولهذا؛ فلا يجوز للمسلم أن يدعو إلى الله إلا بعد أن يحمل قدراً من العلم يكفيه في دعوته، وفهماً ووضوحاً ينير له طريقه.
فالعلم يسدد له مسيرته، والفهم يوضح له رؤيته، فمن لم يحمل العلم في دعوته انحرف، ومن لم يكن على بصيرة تعثر.
وفضلاً عن هذا، فإن للداعية بغير بصيرة إثماً عند الله،.. لمخالفة أمر الله، ولأن فاقد البصيرة (العلم والفهم) لا يُضل نفسه فحسب، بل يُضل معها غيرها ممن يدعوهم. كما قال تعالى :
{وَمِنَ النّاسِ مَن يُجَادِلُ فِى اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتّبِعُ كُلّ شَيْطَانٍ مّرِيدٍ} (الحج: 3) وقال في موضع آخر %{وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم} (الأنعام :119).
الصفة الثالثة للداعية:الصبر والحلم:
الصبر في باب الدعوة إلى الله يعني: ضبط النفس على الاستمرار في طريق الدعوة مهما لاقت، وحبسها عن الإساءة للمدعوين قولاً وفعلاً، والصبر يعني: عدم الانتقام حين الأذى، وعدم الانقطاع عن الدعوة حين الملل، وعدم اليأس حين الفشل.
لذا كان القرآن والسنة حافلين بالاهتمام بالصبر، لما له من أثر كبير في استمرار الداعية، وعدم نفور المدعوين.. وقبول الدعوة إلى الله تعالى.
ولذلك عدَّ الله سبحانه الصبر مع التقوى من عزائم الأمور، قال تعالى:{وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتّقُواْ فَإِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاُمُورِ} (آل عمران: 186)
بل جعل الله الصبر على الأذى من منهج الأنبياء، فقال سبحانه عن الأنبياء: {وَلَنَصْبِرَنّ عَلَىَ مَآ آذَيْتُمُونَا} (إبراهيم: 12)
وأما الحلمُ فهو شعبةٌ أساسٌ من شعب الصبر. ولذا أمر بالصبر الحلم كليهما، والاتصاف بالصبر و الحلم هو من عزائم الأمور كما
قال تعالى حاكياً قول لقمان لابنه: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىَ مَآ أَصَابَكَ إِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاُمُورِ} (لقمان: 17). وقال تعالى عن حلم إبراهيم عليه الصلاة والسلام :{فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم} (التوبة :114).
الصفة الرابعة للداعية:العفو والصفح:
إن لله تعالى أمر الداعية بالعفو والتسامح مع المدعوين، حتى تكون القلوب صافية، والنفوس كريمة، فيقبل المدعوون على الدعوة، ويقبلونها، ولا ينفرون منها، أو يواجهونها؛ فقال تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الاُمُورِ} (الشورى: 43)
وقال تعالى مخاطباًَ المسلمين عامة، والدعاة خاصة: {فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتّىَ يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ} . (البقرة: 109)
لذلك كان لزاماً على الداعية إلى الله أن يتحلى بالعفو، وأن يتصف بالتسامح.
وسرُّ ذلك: أن بعض المدعوين يكونون جهلاء، وأصحاب أهواء، ويرون أن دعوتهم هو تدخل في شؤونهم الخاصة، وحجز لحريتهم المطلقة.
فيقومون بردود فعل قولية، وأحيانا عملية..تجاه الداعية من شتم ، أو ضرب ، أو سخرية ، أوحقد.
فالعفو والتسامح في الدعوة : يمسح ما يعلق بالقلب من أثر الأذية، ويغسل ما في النفس من حب الانتقام.
قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران: 134).
الصفة الخامسة: التواضع والمخالطة:
كلما كان الداعية محبوباًَ لدى المدعوين، كانت استجابتهم لدعوته أكبر، واجتماعهم حوله أكثر.
ولا شيء يحبب الداعية إلى المدعوين كالتواضع، لذا أمر الله به.. وحرم ضده وهو التكبر، ولا يظهر التواضع إلا بالاختلاط بالناس.. لذلك أمر الله بهما.
قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} (الكهف: 28)
وقال تعالى: {وَلاَ تُصَعّرْ خَدّكَ لِلنّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحاً} (لقمان: 18).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر".
وقال أيضا "وما تواضع أحد لله إلا رفعه"
وكان ابن عمر يدخل السوق لا يبيع ولا يشتري، لكن ليسلم على الناس، فكانوا إذا رأوه استبشروا، وانكبوا عليه، يستفتونه فيفتيهم ويحل قضاياهم.
ولا شيء يساعد في نشر الدعوة، وتوسيع رقعتها، كالاختلاط بالناس، ومعرفة أحوالهم، والوقوف مع متطلباتهم،ومدارسة مشكلاتهم.
لذلك قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "المسلم الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم".
الخلاصة:
وخلاصة القول أننا إن نرد أن نكون دعاة ناجحين وأن تكون دعوتنا تثمر من كل ناحية فعلينا أن نتصف بالصفات المذكورة من الإخلاص والتقوى والعلم والفقه والصبر والحلم والعفو والصفح والتواضع والمخالطة وغيرها وإلا تكون دعوتنا هباء منثورا ولا نكون عند الله مأجورا.
وأخيرا أدعو الله تعالى أن يقبل دعوتنا و يوفقنا جميعا أن نتصف بأوصاف داعية ناجح.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
الإعداد : جمال الدين جلال الدين التيمي، المتعلم في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة 2019